سورة النمل - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النمل)


        


قوله عز وجل: {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ} الآية، وذلك أن سليمان أراد أن ينظر إلى قدميها وساقيها من غير أن يسألها كشفها، لما قالت الشياطين: إن رجليها كحافر الحمار، وهي شعراء الساقين، أمر الشياطين فبنوا له صرحا أي: قصرا من زجاج، وقيل بيتا من زجاج كأنه الماء بياضا، وقيل: الصرح صحن الدار، وأجرى تحته الماء، وألقى فيه كل شيء من دواب البحر السمك والضفادع وغيرهما، ثم وضع سريره في صدره وجلس عليه وعكفت عليه الطير والجن والإنس. وقيل: اتخذ صحنا من قوارير وجعل تحتها تماثيل من الحيتان والضفادع، فكان الواحد إذا رآه ظنه ماء. وقيل: إنما بنى الصرح ليختبر فهمها كما فعلت هي بالوصفاء والوصائف فلما جلس على السرير دعا بلقيس، فلما جاءت قيل لها ادخلي الصرح.
والحق أن سليمان- عليه الصلاة والسلام- أراد ببنائه الصرح: أن يريها عظمة ملكه وسلطانه، وأن الله- سبحانه وتعالى- أعطاه من الملك، ومن أسباب العمران والحضارة ما لم يعطها، فضلا عن النبوة التي هي فوق الملك، والتي دونها أية نعمة، وحاشا لسليمان- عليه السلام- وهو الذي سأل الله أن يعطيه حكما يوافق حكمه- أي الله، فأوتيه- أن يتحايل هذا التحايل، حتى ينظر إلى ما حرم الله عليه، وهما ساقاها، وهو أجل من ذلك وأسمى.
ولولا أنها رأت من سليمان ما كان عليه من الدين المتين، والخلق الرفيع، لما أذعنت إليه لما دعاها إلى الله الواحد الحق، ولما ندمت على ما فرط منها من عبادة الكواكب والشمس، وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين. انظر: الإسرائيليات والموضوعات للشيخ محمد أبو شهبة ص: 249- 250.
{فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً} وهي معظم الماء، {وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا} لتخوضه إلى سليمان، فنظر سليمان فإذا هي أحسن الناس قدما وساقا إلا أنها كانت شعراء الساقين، فلما رأى سليمان ذلك صرف بصره عنه وناداها {قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ} مملس مستو، {مِنْ قَوَارِيرَ} وليس بماء، ثم إن سليمان دعاها إلى الإسلام، وكانت قد رأت حال العرش والصرح فأجابت، و{قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} بالكفر. وقال مقاتل: لما رأت السرير والصرح علمت أن ملك سليمان من الله فقالت: رب إني ظلمت نفسي بعبادة غيرك، {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي: أخلصت له التوحيد. وقيل: إنها لما بلغت الصرح وظنته لجة، قالت في نفسها: إن سليمان يريد أن يغرقني، وكان القتل علي أهون من هذا، فقولها: {ظلمت نفسي} تعني بذلك الظن.
واختلفوا في أمرها بعد إسلامها، قال عون بن عبد الله: سأل رجل عبد الله بن عتبة: هل تزوجها سليمان؟ قال: انتهى أمرها إلى قولها: أسلمت مع سليمان لله رب العالمين، يعني: لا علم لنا وراء ذلك. وقال بعضهم: تزوجها، ولما أراد أن يتزوجها كره ما رأى من كثرة شعر ساقيها، فسأل الإنس: ما يذهب هذا؟ قالوا: الموسى، فقالت المرأة: لم تمسني حديدة قط، فكره سليمان الموسى، وقال: إنها تقطع ساقيها، فسأل الجن فقالوا: لا ندري، ثم سأل الشياطين فقالوا: إنا نحتال لك حيلة حتى تكون كالفضة البيضاء، فاتخذوا النورة والحمام، فكانت النورة والحمامات من يومئذ فلما تزوجها سليمان أحبها حبا شديدا، وأقرها على ملكها، وأمر الجن فابتنوا لها بأرض اليمن ثلاثة حصون لم ير الناس مثلها ارتفاعا وحسنا، وهي: سلحين، وبينون، وعمدان. ثم كان سليمان يزورها في كل شهر مرة بعد أن ردها إلى ملكها ويقيم عندها ثلاثة أيام، يبتكر من الشام إلى اليمن، ومن اليمن إلى الشام، وولدت له فيما ذكر وروي عن وهب قال: زعموا أن بلقيس لما أسلمت قال لها سليمان: اختاري رجلا من قومك أزوجكه، قالت: ومثلي يا نبي الله تنكح الرجال وقد كان لي في قومي من الملك والسلطان ما كان؟ قال: نعم، إنه لا يكون في الإسلام إلا ذلك، ولا ينبغي لك أن تحرمي ما أحل الله لك، فقالت: زوجني إن كان لا بد من ذلك ذا تبع ملك همذان فزوجه إياها، ثم ردها إلى اليمن، وسلط زوجها ذا تبع على اليمن، ودعا زوبعة أمير جن اليمن، فقال: اعمل لذي تبع ما استعملك فيه، فلم يزل بها ملكا يعمل له فيها ما أراد حتى مات سليمان، فلما أن حال الحول، وتبينت الجن موت سليمان أقبل رجل منهم فسلك تهامة حتى إذا كان في جوف اليمن صرخ بأعلى صوته: يا معشر الجن إن الملك سليمان قد مات، فارفعوا أيديكم فرفعوا أيديهم وتفرقوا، وانقضى ملك ذي تبع، وملك بلقيس مع ملك سليمان. وقيل: إن الملك وصل إلى سليمان وهو ابن ثلاث عشرة سنة ومات وهو ابن ثلاث وخمسين سنة.


قوله عز وجل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ} أي: أن {اعْبُدُوا اللَّهَ} وحده، {فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ} مؤمن وكافر {يَخْتَصِمُونَ} في الدين، قال مقاتل: واختصامهم ما ذكر في سورة الأعراف: {قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم}، إلى قوله: {يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين} [الأعراف- 75- 77]. فـ {قَالَ} لهم صالح، {يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ} بالبلاء والعقوبة، {قَبْلَ الْحَسَنَةِ} العافية والرحمة، {لَوْلا} هلا {تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ} بالتوبة من كفركم، {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} {قَالُوا اطَّيَّرْنَا} أي: تشاءمنا، وأصله: تطيرنا، {بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ} قيل: إنما قالوا ذلك لتفرق كلمتهم. وقيل: لأنه أمسك عنهم المطر في ذلك الوقت وقحطوا، فقالوا: أصابنا هذا الضر والشدة من شؤمك وشؤم أصحابك. {قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ} أي: ما يصيبكم من الخير والشر عند الله بأمره، وهو مكتوب عليكم، سمي طائرا لسرعة نزوله بالإنسان، فإنه لا شيء أسرع من قضاء محتوم. قال ابن عباس: الشؤم أتاكم من عند الله لكفركم. وقيل: طائركم أي: عملكم عند الله، سمي طائرا لسرعة صعوده إلى السماء. {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} قال ابن عباس: تختبرون بالخير والشر، نظيره قوله تعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} [الأنبياء- 35]، وقال محمد بن كعب القرظي: تعذبون.


قوله تعالى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ} يعني: مدينة ثمود، وهي الحجر، {تِسْعَةُ رَهْطٍ} من أبناء أشرافهم، {يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ} وهم الذين اتفقوا على عقر الناقة، وهم غواة قوم صالح، ورأسهم قدار بن سالف، وهو الذي تولى عقرها، كانوا يعملون بالمعاصي. قالوا {تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ} تحالفوا، يقول بعضهم لبعض: أي: احلفوا بالله أيها القوم. وموضع {تقاسموا} جزم على الأمر، وقال قوم: محله نصب على الفعل الماضي، يعني: أنهم تحالفوا وتواثقوا، تقديره: قالوا متقاسمين بالله، {لَنُبَيِّتَنَّهُ} أي: لنقتلنه بياتا أي: ليلا {وَأَهْلَهُ} أي: وقومه الذين أسلموا معه، وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي {لتبيتنه} و{لتقولن} بالتاء فيهما وضم لام الفعل على الخطاب، وقرأ الآخرون بالنون فيهما وفتح لام الفعل، {ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ} أي: لولي دمه، {مَا شَهِدْنَا} ما حضرنا، {مَهْلِكَ أَهْلِهِ} أي: إهلاكهم، ولا ندري من قتله، ومن فتح الميم فمعناه هلاك أهله، {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} في قولنا ما شهدنا ذلك. {وَمَكَرُوا مَكْرًا} غدروا غدرا حين قصدوا تبييت صالح والفتك به، {وَمَكَرْنَا مَكْرًا} جزيناهم على مكرهم بتعجيل عقوبتهم، {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا} قرأ أهل الكوفة {أنا} بفتح الألف ردا على العاقبة، أي: كانت العاقبة أنا دمرناهم، وقرأ الآخرون: {إنا} بالكسر على الاسئناف، {دَمَّرْنَاهُمْ} أي: أهلكناهم التسعة. واختلفوا في كيفية هلاكهم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: أرسل الله الملائكة تلك الليلة إلى دار صالح يحرسونه، فأتى التسعة دار صالح شاهرين سيوفهم، فرمتهم الملائكة بالحجارة من حيث يرون الحجارة ولا يرون الملائكة، فقتلهم. قال مقاتل: نزلوا في سفح جبل ينظر بعضهم بعضا ليأتوا دار صالح، فجثم عليهم الجبل فأهلكهم. {وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} أهلكهم الله بالصيحة.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11